فصل: حكم ترجمة القرآن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أصول في التفسير **


 حكم ترجمة القرآن

الترجمة الحرفية بالنسبة للقرآن الكريم مستحيلة عند كثير من أهل العلم، وذلك أنه يشترط في هذا النوع من الترجمة شروط لا يمكن تحققها معها وهي‏:‏

أ- وجود مفردات في اللغة المترجم إليها بازاء حروف اللغة المترجم منها‏.‏

ب- وجود أدوات للمعاني في اللغة المترجم إليها مساوية أو مشابهة للأدوات في اللغة المترجم منها‏.‏

ج- تماثل اللغتين المترجم منها وإليها في ترتيب الكلمات حين تركيبها في الجمل والصفات والإضافات وقال بعض العلماء‏:‏ إن الترجمة الحرفية يمكن تحققها في بعض آية، أو نحوها، ولكنها وغن أمكن تحققها في نحو ذلك - محرمة لأنها لا يمكن أن تؤدي المعنى بكماله، ولا أن تؤثر في النفوس تأثير القرآن المبين، ولا ضرورة تدعو إليها؛ للاستغناء عنها بالترجمة المعنوية‏.‏

وعلى هذا فالترجمة الحرفية إن أمكنة حسا في بعض الكلمات فهي ممنوعة شرعا، اللهم إلا أن يترجم كلمة خاصة بلغة من يخاطبه ليفهمها، من غير أن يترجم كله فلا بأس‏.‏

وأما الترجمة المعنوية للقرآن فهي جائزة في الأصل لأنه لا محذور فيها، وقد تجب حين تكون وسيلة إلى إبلاغ القرآن والإسلام لغير الناطقين باللغة العربية، لأن إبلاغ ذلك واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب‏.‏

لكن يشترط لجواز ذلك شروط‏:‏

الأول‏:‏ أن لا تجعل بديلا عن القرآن بحيث يستغني بها عنه، وعلى هذا فلا بد أن يكتب القرآن باللغة العربية وإلى جانبه هذه الترجمة، لتكون كالتفسير له‏.‏

الثاني‏:‏ أن يكون المترجم عالميا بمدلولات الألفاظ في اللغتين المترجم منها وإليها، وما تقتضيه حسب السياق‏.‏

الثالث‏:‏ أن يكون عالما بمعاني الألفاظ الشرعية في القرآن‏.‏ ولا تقبل الترجمة للقرآن الكريم إلا من مأمون عليها، بحيث يكون مسلما مستقيما في دينه‏.‏

المشتهرون بالتفسير من الصحابة

أشتهر بالتسفير جماعة من الصحابة، ذكر السيوطي منهم‏:‏ الخلفاء الأربعة أبا بكر وعمر وعثمان وعليا ـ رضي الله عنهم ـ إلا أن الرواية عن الثلاثة الأولين لم تكن كثيرة، لانشالغهم بالخلافة، وقلة الحاجة إلى النقل في ذلك لكثرة العالمين بالتفسير‏.‏

ومن المشتهرين بالتفسير من الصحابة أيضًا‏:‏ عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس، فلنترجم لحياة على بن أبي طالب مع هذين ـ رضي الله عنهم ـ‏.‏

 1- على بن أبي طالب‏

هو ابن عم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وزوج فاطمة رضي الله عنه وعنها، وأول من آمن به من قرابته، اشتهر بهذا الاسم‏.‏ وكنيته أبو الحسن، وأبو تراب‏.‏

ولد قبل بعثة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعشر سنين، وتربي في حجر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وشهد معه المشاهد كلها، وكان صاحب اللواء في معظمها، ولم يتخلف إلا عن غزوة تبوك، خلفه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أهله، وقال له‏:‏ ‏(‏أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي‏)‏ ‏[أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة تبوك، حديث رقم ‏(‏4416‏)‏، ومسلم كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل على بن أبي طالب‏.‏ حديث رقم ‏(‏6218‏)‏‏.‏‏]‏، نقل له من المناقب والفضائل ما لم ينقل لغيره، وهلك به طائفتان‏:‏ النواصب الذين نصبوا له العداوة، وحاولوا إخفاء مناقبة، والروافض الذي بالغوا فيما زعموه من حبه، وأحدثوا له من المناقب التي وضعوها ما هو في غنى عنه، بل هو عند التأمل من المثالب‏.‏

اشتهر رضي الله عنه بالشجاعة والذكاء مع العلم والذكاء من معضلة ليس لها أبو حسن، ومن أمثلة النحويين‏:‏ قضية ولا أبا حسن لها، وروي عن علي أنه كان يقول‏:‏ سلوني سلوني وسلوني عن كتاب الله تعالى، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أنزلت بليل أو نهار، وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ‏:‏ إذا جاءنا الثبت عن علي لم نعدل به، وروي عنه أنه قال‏:‏ ما أخذت من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب‏.‏ كان أحد أهل الشورى الذي رشحهم عمر رضي الله عنه لتعيين الخليفة، فعرضها عليه عبد الرحمن بن عوف فأبي إلا بشروط لم يقبل بعضها، ثم بايع عثمان فبايعه علي والناس، ثم بويع بالخلافة بعد عثمان حتى قتل شهيدا في الكوفة ليلة السابع عشر من رمضان، سنة أربعين من الهجرة رضي الله عنه‏.‏

 2- عبد الله بن مسعود‏

هو عبد الله بن مسعود بن غافل الهزلي، وأمه أم عبد كان ينسب إليها أحيانا ‏[‏أخرجه أحمد ‏(‏1/379، 462‏)‏ ‏.‏‏]‏، وكان من السابقين الأولين في الإسلام، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرا، وما بعدها من المشاهد‏.‏

تلقى من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بضعا وسبعين سورة من القرآن، وقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أول الإسلام‏:‏ ‏(‏إنك لغلام معلم‏)‏ ‏[‏أخرجه بن ماجه ‏(‏138‏)‏‏.‏‏]‏، وقال‏:‏ ‏(‏من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد‏)‏ ‏[‏أخرجه البخاري ص 433 - 434 ، كتاب فضائل القرآن ، باب 8 ‏:‏ القراء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حديث رقم 5000 ‏.‏‏]‏، وفي ‏"‏صحيح البخاري‏"‏ ‏[‏أخرجه البخاري ص 433 - 434، كتاب فضائل القرآن، باب 8‏:‏ القراء من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، حديث رقم 5000‏.‏‏]‏ أن ابن مسعود رضي الله عنه قال‏:‏ لقد علم أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أني من أعلمهم بكتاب الله، وقال‏:‏ والله الذي لا إله غيره ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا ‏,‏أنا أعلم فيمن أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم منى بكتاب

الله تبلغه الإبل لركبت إليه، وكان ممن خدم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكان صاحب نعليه وطهوره ووسادة حتى قال أبو موسى الأشعري‏:‏ قدمت أنا وأخي من اليمن فمكثنا حينا ما نرى من دخوله ودخول أمه على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏[‏أخرجه البخاري، كتاب فضائل أصحاب النبي، باب فضل عائشة رضي الله عنها، حديث رقم ‏(‏3763‏)‏، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب في فضائل عبد الله بم مسعود وأمه رضي الله عنهما، حديث رقم ‏(‏2460‏)‏‏.‏

‏]‏ ، ومن أجل ملازمته تأثر به وبهديه، حتى قال فيه حذيفة‏:‏ ما أعرف أحدا أقرب هديا وسمتا ودلا بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من ابن أم عبد‏.‏

بعثه عمر بن الخطاب إلى الكوفة، ليعلمهم أمور دينهم، وبعث عمارا أمير وقال‏:‏ إنهما من النجباء من أصحاب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأقتدوا بهما، ثم أمره عثمان على الكوفة، ثم عزله، وأمره بالرجوع إلى المدينة، فتوفي فيها سنة اثنتين وثلاثين، ودفن بالبقيع وهو ابن بضع وسبعين سنة‏.‏

 3- عبد الله بن عباس‏‏

هو ابن عم الرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولد قبل الهجرة بثلاث سنين لازم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأنه ابن عمه، وخالته ميمونة تحت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وضمنه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى صدره وقال‏:‏ اللهم علمه الحكمة، وفي رواية‏:‏ الكتاب، وقال له حين وضع له وضوءه‏:‏ اللهم فقه في الدين، فكان بهذا الدعاء المبارك حبر الأمة في نشر التفسير والفقه، حيث وفقه الله تعالى للحرص على العلم والجد في طلبه والصبر على تلقيه وبذله، فنال بذلك مكانا عاليا حتى كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يدعوه إلى مجالسة ويأخذ بقوله، فقال المهاجرون‏:‏ ألا تدعو أبناءنا كما تدعو ابن عباس‏؟‏ ‏!‏ فقال لهم‏:‏ ذاكم فتى الكهول له لسان سؤول وقلب عقول، ثم دعاهم ذات يوم فأدخله معهم ليريهم منه ما رآه، فقال عمر‏:‏ ما تقولون في قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ‏}‏ ‏[‏النصر‏:‏1‏]‏ حتى ختم السورة، فقال بعضهم‏:‏ أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا فتح علينا، وسكت بعضهم، فقال عمر لابن عباس‏:‏ أكذلك تقول‏؟‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ فما تقول‏؟‏ قال‏:‏ هو أجل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعلمه الله له إذا جاء نصر الله، والفتح فتح مكة، فذلك علامة أجلك فسبح بحمد ربك، واستغفره إنه كان توابا، قال عمر‏:‏ ما أعلم منها إلا ما تعلم، وقال ابن مسعود رضي الله عنه‏:‏ لنعم ترجمان القرآن ابن عباس، لو أدرك أسناننا ما عاشره منا أحد، أي ما كان نظيرا له، هذا مع أن ابن عباس عاش بعده ستا وثلاثين سنة، فما ظنك بما اكتسب بعهده من العلم‏.‏

وقال ابن عمر لسائل سأله بما أنزل عن آية‏:‏ انطلق إلى ابن عبسا فا سأله فإنه اعلم من بقي بما أنزل على محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال عطاء‏:‏ ما رأيت قط أكرم من مجلس ابن عباس فقها وأعظم خشية، إن أصحاب الفقه عنده، وأصحاب القرآن عنده، وأصحاب الشعر عنده، يصدرهم كلهم من واد واسع‏.‏

وقال أبو وائل‏:‏ خطبنا ابن عباس وهو على الموسم ‏(‏أي وال على موسم الحج من عثمان رضي الله عنه‏)‏ فافتتح سورة النور لجعل يقرأ ويفسر، فجعلت أقول ما رأيت، ولا سمعت كلام رجل مثله، ولو سمعته فارس والروم والترك لأسلمت، ولاه البصرة فلما قبل مضى إلى الحجاز، فأقام في مكة، ثم خرج منها إلى الطائف فمات فيها سنة ثمان وستين عن إحدى وسبعين سنة‏.‏